الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
وهو من شواهد س: الرجز؟؟ظهراهما مثل ظهور الترسين على أنه قد جمع بين اللغتين، فإنه أتى بتثنية المضاف في ظهراهما، وبجمعه في ظهور الترسين. واستشهد به سيبويه على تثنية المضاف على الأصل، في موضعين من كتابه. الموضع الأول: في الربع الأول، في باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها، من الصفات التي ليست بفعلٍ. وتقدم نقل كلامه في البيت الذي قبل هذا. والموضع الثاني: أول الربع الرابع بين أبواب جموع التكسير، في باب ترجمته: هذا باب ما لفظ به مما هو مثنى كما لفظ بالجمع. قال: وهو أن يكون كل واحدٍ منهما بعض شيءٍ مفرد من صاحبه، وذلك قولك: ما أحسن رؤوسهما وأحسن عواليهما. قال الله تبارك وتعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}، والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما . فرقوا بين المثنى الذي هو شيءٌ على حدة وبين ذا. وقال الخليل: نظيره قولك: فعلنا، وأنتما اثنان، فتكلم به كما تكلم به وأنتم ثلاثة. وقد قالت العرب في الشيئين اللذين كل واحدٍ منهما اسمٌ على حدة وليس واحدٌ منهما بعض شيء، كما قاولوا في ذا، لأن التثنية جمعٌ، فقالوه كما قالوا: فعلنا. زعم يونس أنهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما، وإنما هما اثنان. إلى أن قال: وزعم يونس أنهم يقولون: ضربت رأسيهما. وزعم أنه سمع ذلك من رؤبة أيضاً، أجروه على القياس. قال هميان بن قحافة: الرجز ظهراهما مثل ظهور الترسين وقال الفرزدق: الطويل هما نفثا في في من فمويهما وقال أيضاً: الطويل بما في فؤادينا من الشوق والهوى *** فيجبر منهاض الفؤاد المعذب انتهى كلامه. قال الأعلم: الشاهد فيه تثنية الظهرين على الأصل، والأكثر في كلامهم إخراج مثل هذا إلى الجمع، كراهةً لاجتماع تثنيتين في اسمٍ واحد، لأن المضاف إليه من تمام المضاف، مع ما في التثنية من معنى الجمع، وأن المعنى لا يشكل، ولذلك قال: مثل ظهور الترسين، فجمع الظهر. قال الزجاج في تفسير آية السارق: قال بعض النحويين: إنما جعلت تثنية ما كان في الإنسان منه واحدٌ جمعاً لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان، فحمل ما كان فيه الواحد على مثل ذلك. قال: لأن للإنسان عينين، فإذا تثنيت العينين، قلت: عيونهما، فجعلت: قلوبكم وظهوركما في القرآن كذلك، وكذلك: أيديهما. وهذا خطأ، إنما ينبغي أن يفصل بين ما في الشيء منه واحد، وبينما في الشيء منه اثنان. وقال قوم: إنما فعلنا ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحدٌ وبين ما في الشيء منه اثنان، فجعل ما في الشيء منه واحدٌ تثنيته جمعاً، كقول الله: فقد صغت قلوبكما . قال أبو إسحاق: حقيقة هذا الباب أن ما كان في الشيء منه واحدٌ، لم يثن ولفظ به على لفظ الجمع لأن الإضافة تبينه. فإذا قلت: أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط. وأصل التثنية الجمع، لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحداً إلى واحد. وكان الأصل أن يقال: اثنا رجال، ولكن رجلان لا يدل على جنس الشيء وعدده، فالتثنية يحتاج إليها للاختصار فإذا لم يكن اختصارٌ رد الشيء إلى أصله، وأصله الجمع، فإذا قلت: قلوبهما فالتثنية في هما قد أغنتك عن تثنية قلبٍ، فصار الاختصار ها هنا ترك تثنية قلب. وإن ثني ما كان في الشيء منه واحدٌ فلك جائز عند النحويين. قال الشاعر: ظهراهما مثل ظهور الترسين فجاء بالتثنية والجمع في بيتٍ واحد. وحكى سيبويه أنه قد يجمع المفرد الذي ليس من شيءٍ إذا أردت به التثنية. وحكي عن العرب: وضعا رحالهما، يريد: رحلي راحلتيهما. انتهى. وأنشد الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قال: ذكر المفسرون أنهما بستانان من بساتين الجنة. وقد يكون في العربية جنة تثنيتها العرب في أشعارها. أنشدني بعضهم: الرجز ومهمهين قذفين مرتين *** قطعته بالسمت لا بالسمتين وأنشدني آخر: الرجز يسعى بكبداء ولهذمين *** قد جعل الأرطاة جنتين وذلك أن الشعر له قوافٍ تقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام. قال الفراء: الكبداء: القوس. ويقال: لهذم ولهذم، لغتان، وهو السهم. انتهى. والصحيح أن هذين البيتين من رجزٍ لخطامٍ المجاشعي، وهو شاعرٌ إسلاميٌّ، لا لهميان بن قحافة. كما تقدم نقل أبياتٍ كثيرة من هذا الرجز في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة. والرواية الصحيحة كذا: ومهمهين قذفين مرتين *** ظهراهما مثل ظهور الترسين جبتهما بالنعت لا بالنعتين *** على مطار القلب سامي العينين والواو في مهمهين واو رب. والمهمه: القفر المخوف. والقذف، بفتح القاف والذال المعجمة بعدها فاء: البعيد من الأرض. وقال العيني: هو المكان المرتفع الصلب. قال: ويروى: فدفدين. والفدفد: الأرض المستوية. قاله الجوهري. والمرت، بفتح الميم وسكون الراء المهملة بعدها مثناة فوقية: الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات. والظهر: ما ارتفع من الأرض. شبهه بظهر ترسٍ في ارتفاعه وتعريه من النبت. كما قال الأعشى: الخفيف وفلاةٍ كأنها ظهر ترسٍ *** ليس إلا الرجيع فيها علاق وقال الأعلم: وصف فلاتين لا نبت فيهما ولا شخص يستدل به، فشبههما بالترسين. وقال العيني: مثل ظهري الترسين في الاستواء والاملاس، وعدم المرافق فيهما، من نبتٍ للراعية، وعلم هادٍ للناس. وجبتهما: قطعتهما، وهو جواب رب المقدرة. يقال: جاب الوادي يجوبه جوباً، إذا قطعه بالسير فيه. وروى: قطعته بإفراد الضمير. نقل العيني عن أبي علي، أنه قال: أفرد الضمير وهو يريد المهمهين، كما قال تعالى: {نسقيكم مما في بطونه}. ويقال التقدير: قطعت ذلك. ويقال: إنما أفرد الضمير، لأنه أراد المهمة، وإنما ثناه تنبيهاً على طوله واتصال المشي لراكبه فيه، كما قال رؤبة: الرجز ومهمهٍ أطرافه في مهمه انتهى. وهذا يؤيد ما قاله الفراء. وقوله: بالنعت لا بالنعتين ، أي: نعتا لي مرةً واحدة، فلم أحتج إلى أن ينعتا لي مرة ثانية. وصف نفسه بالحذق والمهارة. والعرب تفتخر بمعرفة الطرق، وتعير الجاهل بها. وأما رواية: قطعته بالسمت لا بالسمتين فهو من رجزٍ لشاعر آخر، أنشده الفارسي في تذكرته، وذكر قبله: الرجز ومهمهٍ أعور إحدى العينين *** بصير الأخرى وأصم الأذنين قطعته بالسمت لا بالسمتين قال: كانت في هذا الموضع بئران، فعورت إحداها، وبقيت الأخرى، فلذلك قال: أعور إحدى العينين. وقوله: وأصم الأذنين يعني: أنه ليس به جبل فيسمع صوت الصدى. وقوله: بالسمت إلخ، أي: قيل لي مرةً واحدة فاكتفيت. انتهى. وقال: السمت: السير بالحدس. وقال ابن يسعون: يريد بالسمت إلخ بإشارةٍ واحدةٍ، ولم أحتج إلى تكرير النظر، لحذقي ومعرفتي بالطريق. وقوله: على مطار القلب متعلق بجبتهما. أراد: على فرسٍ جيدٍ هذه صفته. وترجمة خطام المجاشعي تقدمت في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة. وأنشد بعده: الطويل وعيناي في روضٍ من الحسن ترتع على أنه قريب من وقوع المفرد موقع المثنى، فيما يصطحبان ولا يفترقان، كقولك: عيني لا تنام، أي: عيناي، وإنما قال: قريب منه لأن المثال وقع فيه المفرد في موقع المثنى، والبيت وقع فيه المثنى، وهو عيناي في موضع المفرد، لأن خبره ترتع، وليس فيه ضمير اثنين. قال أبو حيان في تذكرته: قال أبو عمرو: وإذا كان الاثنان لا يكاد أحدهما ينفرد من الآخر مثل اليدين، والرجلين، والخفين، فإن تقدم مثناه جاز لك في الشعر والكلام، أن توحد صفته، فتقول: خفان جديدٌ وجديدان، وعينان ضخمةٌ وضخمتان، لأن الواحد يدل على صاحبه إذا كان لا يفارقه. وأنشد الفراء: الطويل سأجزيك خذلاناً بتقطيعي الصف *** إليك وخفا واحدٍ يقطر الدما فقال: يقطر، ولم يقل: يقطران. انتهى. والمصراع عجزٌ، وصدره: حشاي على جمرٍ ذكيٍّ من الغضا والبيت من قصيدةٍ لأبي الطيب المتنبي، مطلعها: حشاشة نفسٍ ودعت يوم ودعو *** فلم أدر أي الظاعنين أشيع قال الواحدي في شرحه: الحشا: ما في داخل الجوف، ويريد به القلب ها هنا. يقول: قلبي جمرٍ شديد التوقد من الهوى، أي: لأجل توديعهم وفراقهم. وعيني ترتع في وجه الحبيب في روضٍ من الحسن. والبيت من قول أبي تمام: الطويل أفي الحق أن يضحى بقلبي مأتمٌ *** من الشوق والبلوى وعيناي في عرس وإنما لم يقل ترتعان لأن حكم العينين حكم حاسةٍ واحدة، ولا تكاد تنفرد إحداهما برؤيةٍ دون الأخرى، فاكتفى بضمير الواحدة، كما قال الآخر: مجزوء الوافر بها العينان تنهل انتهى. قال صدر الأفاضل، عند قول المعري: البسيط كأن أذنيه أعطت قلبه خبر *** عن السماء بما يلقى من الغير فإن قلت: كيف لم يبرز الضمير في أعطت مع إسناده إلى ضمير الاثنين؟ قلت: إما لأنه قد نزل العضوين منزلة عضوٍ واحد، لأن المقصود بهما منفعةٌ واحدة. وعليه قول امرئ القيس: المتقارب وعينٌ لها حدرةٌ بدرةٌ *** شقت مآقيهما من أخر ألا ترى أنه عنى بالعين العينين، حتى صرف إلى ضمير الاثنين. وقول أبي الطيب: الكامل وتكرمت ركباتها عن مبركٍ *** تقعان فيه وليس مسكاً أذفرا لأنه جعل كل ركبتين كركبةٍ واحدة حتى قال: تقعان. وإما لأنه قد عامل المثنى معاملة الجمع. ومنه قول عنترة: الوافر متى ما تلقني فردين ترجف *** روانف أليتيك وتستطارا وقال آخر: البسيط أقراب أبلق ينفي الخيل رماح ألا ترى أنه قد سمى الرانفتين والقربين روانف وأقراباً. ومثله في احتمال الوجهين قوله: الكامل كأن في العينين حب قرنفلٍ *** وسنبلاً كحلت به فانهلت وقول الفرزدق: الوافر ولو بخلت يداي بها وضنت هذا وقول أبي الطيب: وعيناي في روضٍ من الحسن ترتع مع تمكنه من أن يقول: وعيني دليلٌ على أنه لا في مقام الضرورة. انتهى. وقد تلكم ابن الشجري في أماليه على البيت، وجعل المسألة رباعية، فلا بأس بنقل كلامه تتميماً للفائدة. وقال بعد إنشاد البيت: الحشا: ما بين الضلع التي في آخر الجنب إلى الورك، والجمع أحشاء. وذكت النار تذكو: اتقدت وارتفع لهبها. والروضة: موضع يتسع ويجتمع فيه الماء، فيكثر نبته. ولا يقال لموضع الشجر روضة. والرتوع في الأصل للماشية، وهو ذهابها ومجيئها في الرعي. وكثر ذلك حتى استعمل للآدميين. وفي التنزيل: نرتع ونلعب . ومن قر: نرتع بكسر العين فهو نفعل من الرعي. وأصل رتع: أكل ما شاء. ومنه قول سويد بن أبي كاهل: الرمل ويحييني إذا لاقيته *** وإذا يخلو له لحمي رتع وإنما قال: عيناي، فثنى، ثم قال: ترتع فأخبر عن الاثنين بفعل واحدة، لأن العضوين لمشتركين في فعلٍ واحد مع اتفاقهما في التسمية يجري عليهما ما يجري على أحدهما. ألا ترى أن كل واحدةٍ من العينين لا تكاد تنفرد بالرؤية دون الأخرى. فاشتراكهما في النظر كاشتراك الأذنين في السمع، والقدمين في السعي. ويجوز أن يعبر عنهما بواحدةٍ، تقول: رأيته بعيني، وسمعته بأذني، وما سعت في ذاك قدمي. فإن قلت: بعيني وأذني وقدمي فثنيت، فهو حق الكلام، والأول أخف، وأكثر استعمالاً. ولك في هذا الباب أربعة أوجهٍ من الاستعمال: أحدها: أن تستعمل الحقيقة في الخبر، والمخبر عنه، وذلك قولك: عيناي رأتاه، وأذناي سمعتاه، وقدماي سعتا فيه. والثاني: أن تعبر عن العضوين بواحدٍ وتفرد الخبر، حملاً على اللفظ، تقول: عيني رأته، وأذني سمعته، وقدمي سعت فيه. وإنما استعملوا الإفراد في هذا تخفيفاً، وللعلم بما يريدون. فاللفظ على الإفراد والمعنى على التثنية. فلو قيل على هذا: وعيني في روضٍ من الحسن ترتع كان جيداً. والثالث: أن تثني العضو، وتفرد الخبر، لأن حكم العينين والأذنين والقدمين حكم واحدة، لاشتراكهما في الفعل، فتقول: أذناي سمعته، وعيناي رأته، وقدماي سعت فيه، كما قال: وعيناي في روضٍ من الحسن ترتع ومنه قوله سلمي بن ربيعة السيدي: الكامل فكأن في العينين حب قرنفلٍ *** وسنبلاً كحلت بها فانهلت ومنه قول امرئ القيس: مجزوء الوافر لمن زحلوقةٌ زل *** بها العينان تنهل وللفرزدق: ولو بخلت يداي بها وضنت *** لكان علي للقدر الخيار والرابع: أن تعبر عن العضوين بواحد، وتثني الخبر حملاً على المعنى، كقولك: أذني سمعتاه، وعيني رأتاه. ومنه قول امرئ القيس، وهذا قليل: وعينٌ لها حدرةٌ بدرةٌ *** شقت مآقيهما من أخر وقول الآخر: الطويل إذا ذكرت عيني الزمان الذي مضى *** بصحراء فلجٍ ظلتا تكفان فأما ما أنشده ابن السكيت من قول الراجز: الرجز والساق مني باديات الرير فكان الوجه أن يقول: باديةٌ جملاً على لفظ الساق، وباديتان؛ لأن المراد بالساق الساقان، ولكنه جمع في موضعٍ التثنية. ويشبه ذلك قولك: ضربت رؤوسهما. ويمكن أن تكون الألف في باديات إشباعاً، كقول القائل: الوافر وأنت من الغوائل حين ترمى *** ومن ذم الرجال بمنتزاح أراد: بمنتزح، فأشبع الفتحة فنشأت عنها الألف، ويقال: مخٌّ رارٌ وريرٌ، للرقيق منه. وقوله: من الغضى مفسر للجمر. وكذلك قوله: من الحسن مفسر للروض، فمن متعلقة بمحذوف وصفٌ للمفسر. وقال: حشاي والمراد ما جاور الحشا، وهو القلب. والعرب تعبر عن الشيء بمجاوره، فالمعنى: قلبي على جمرٍ من الغضى، شديد التوقد، لفراقهم، وعيني ترتع من وجه الحبيب في روضٍ من الحسن. واستعار الرتوع للعين لتصويب النظر وتصعيده في محاسن المنظور إليه. واستعار لحسنه روضاً تشبيهاً لعينيه بالنرجس، ولخديه بالشقيق، ولثغره بالأقحوان. ومعنى البيت ناظرٌ إلى قول أبي تمام: أفي الحق أن يمسي بقلبي مأتمٌ *** من الشوق والبلوى وعيناي في عرس وأنشدت للرضي: البسيط فالقلب في مأتمٍ والعين في عرس واستعمال المأتم لجماعة النساء في المناحة خاصة، مما لم ترده العرب، ولكنه عندهم لجماعةٍ في المناحة وغيرها. قال أبو حية: الطويل رمته أناةٌ من ربيعة عامرٍ *** نؤوم الضحى في مأتمٍ أي مأتم وقول امرئ القيس فيما ذكرته شاهداً، وصف به عين فرس. ومعنى حدرة: مكتنزة ضخمة. وبدرة: تبدر النظر. وشقت مآقيهما من أخر، أي: اتسعت من آخرهما. والبيت من ثالث البحر المسمى بالمتقارب، عروضه سالمة وضربه محذوف، ووزنه فعل، وقد استعمل فيه الخرم الذي يسمى الثلم في أول النصف الثاني، وقلما يوجد الخرم إلا في أول البيت. وقوله: لمن زحلوفة ، الزحلوفة: الزلاقة التي يتزلج فيها الصبيان فيزلقون. ويروى: زحلوقة بالقاف. انتهى كلام ابن الشجري. وترجمة المتنبي قد تقدمت في الشاهد الحادي والأربعين بعد المائة. وأنشد بعده: وهو من شواهد س: الوافر كلوا في بعض بطنكم تعفو *** فإن زمانكم زمنٌ خميص على أن فيه قيام المفرد مقام الجمع، وهو بطونكم، لأنه يريد: بطن كل واحد منهم. وظاهره أنه غير ضرورة. ونص سيبويه على أنه ضرورة. قال سيبويه في مسائل التمييز من باب الصفة المشبهة من أوائل الكتاب: قال بعضهم في الشعر، ما لا يستعمل في الكلام. قال علقمة بن عبدة: الطويل به جيف الحسرى فأما عظامه *** فبيضٌ وأما جلدها فصليب وقال: الرجز لا تنكروا القتل وقد سبين *** في حلقكم عظمٌ وقد شجينا إلى أن قال: ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجمع: كلوا في بعض بطنكم تعفو ***............. البيت وقوله: به جيف الحسرى: إلخ، هو جمع حسير، وهي الناقة التي أعيت، من الإعياء والكلال. قال الأعلم: وصف طريقاً بعيداً شاقاً على من سلكه. والصليب: اليابس، وقيل: هو الودك. أي: قد سال ما فيه من رطوبةٍ لإحماء الشمس عليه. يقول: أكلت السباع ما عليها من اللحم فتعرت، وبدا وضح العظام. وقوله: لا تنكروا القتل إلخ، قال الأعلم: وصف أنهم قتلوا من قومٍ كانوا قد سبوا من قومه، فيقول: لا تنكروا قتلنا لكم، وقد سبيتم منا، ففي حلوقكم عظمٌ بقتلنا إياكم، وقد شجينا نحن، أي: غصصنا بسبيكم لمن سبيتم منا. والبيت للمسيب بن زيد مناة الغنوي. وقوله: كلوا في بعض إلخ، قال الأعلم: وصف أنهم قتلوا من شدة الزمان وكلبه، فيقول: كلوا في بعض بطونكم ولا تملؤوها حتى تعتادوا ذلك تعفوا عن كثرة الأكل وتقنعوا باليسير، فإن الزمان ذو مخمصة وجدب. والشاهد أنه وضع الجلد موضع الجلود، والحلق موضع الحلوق، والبطن موضع البطون؛ لضرورة الشعر. ونقل ابن السراج كلام سيبويه في باب التمييز، وتبعهما ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعر. وذهب الفراء في تفسيره إلى أنه جائزٌ في الكلام غير مختصٍّ بالشعر. وقد تقدم النقل عنه قبل هذا ببيتين. وقال أيضاً في تفسير سورة النحل عند قوله تعالى: {يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل}، قال: وحد اليمين وجمع الشمائل، وكل ذلك جائزٌ في العربية. قال الشاعر: الطويل بفي الشامتين الصخر إن كان هدني *** رزية شبلي مخدرٍ في الضراغم ولم يقل بأفواه الشامتين. وقال الآخر: البسيط قد عض أعناقهم جلد الجواميس ولم يقل جلود. وقال آخر: الطويل فباست بني عبسٍ وأستاه طيئٍ *** وباست بني دودان حاشا بني نصر فجمع ووحد. وقال آخر: كلوا في نصف بطنكم تعيشو *** فإن زمانكم زمنٌ خميص وجاز التوحيد لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد، فيقال: خذ عن يمينك وعن شمالك؛ لأن المكلم واحد والمتكلم كذلك، فكأنه إذا وحد ذهب إلى واحدٍ من القوم. وإن جمع فهو الذي لا مسألة فيه. انتهى. وتبعه جماعة منهم ابن جني في المحتسب قال في سورة المؤمنين: قر: عظماً واحداً فكسونا العظام جماعةً: السلمي، وقتادة، والأعرج، والأعمش، واختلف عنهم. وقر: عظاماً جماعةً فكسونا العظم واحداً: مجاهدٌ. قال أبو الفتح: أما من وحد فإنه ذهب إلى لفظ إفراد الإنسان والنطفة والعلقة. ومن جمع فإنه أراد أن هذا أمرٌ عامٌّ في جميع الناس. وقد شاع عنهم وقوع المفرد في موضع الجماعة، نحو قول الشاعر: كلوا في نصف بطنكم تعفوا وقال آخر: في حلقكم عظمٌ وقد شجينا وهو كثير، وقد ذكرناه. إلا أن من قدم الإفراد ثم عقب بالجمع أشبه لفظاً، لأنه جاور بالواحد لفظ الواحد الذي هو إنسان، وسلالة، ونطفة، وعلقة، ومضغة، ثم عقب بالجماعة، لأنها هي الغرض. ومن قدم الجماعة بادر إليها، إذ كانت هي المقصود، ثم عاد فعامل اللفظ المفرد بمثله. والأول أجرى على قوانينهم. ألا تراك، تقول: من قام وقعدوا إخوتك، فيحسن لانصرافه عن اللفظ إلى المعنى. وإذا قلت: من قاموا وقعد إخوتك، ضعف، لأنك قد انتحيت بالجمع على المعنى، وانصرفت عن اللفظ. فمعاودة اللفظ بعد الانصراف عنه تراجعٌ، وانتكاث. فاعرفه وابن عليه، فإنه كثيرٌ جداً. انتهى. ومنهم الزمخشري في كشافه قال عند قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم}: فإنه وحد السمع مع جمع القلوب، كما وح الشاعر البطن مع جمع كلوا. ومقتضى الظاهر أسماعهم وبطونكم، لكن لما كان المراد سمع كل واحد منهم وبطنٍ كل واحدٍ مع أمن اللبس جاز، فإنه من المعلوم أن لكل واحدٍ منهم سمعاً واحداً وبطناً. وقد أورد البيت في عدة مواضع من الكشاف، وأورده أيضاً في المفصل في باب التمييز، ولم يقل شراحه كابن يعيش: إنه ضرورة. ومنهم صاحب اللباب، قال: وقد يقع الواحد موقع الجمع نحو قوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً}. ونظيره: كلوا في بعض بطنكم تعفوا وقوله: كلوا في بعض بطنكم ، قال صاحب الكشاف: أكل في بعض بطنه، إذا كان دون الشبع، وأكل في بطنه، إذا امتلأ وشبع. وأراد بعض بطونكم. وقوله: تعفوا مجزوم بحذف النون في جواب الأمر. قال ابن السيرافي: الخميص: الجائع. والخمص: الجوع. أراد بوصفه الزمن بخميص أنه جائعٌ من فيه، فالصفة للزمن والمعنى لأهله. يقول لهم: اقتصروا على بعض ما يشبعكم ولا تملؤوا بطونكم من الطعام فينفد طعامكم، فإذا نفد احتجتم إلى أن تسألوا الناس، أن يطعموكم شيئاً. وإن قدرتم لأنفسكم جزءاً من الطعام عففتم عن مسألة الناس. انتهى. قال شارح اللباب، وبعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل تعفوا: من العفة. ويروى: تعيشوا. كانوا يتلصصون ويتغاورون، لأنهم في زمن قحط، فقال لهم ذلك. والمعنى: كلوا قليلاً تكونوا أعفاء لا يصدر منكم فعل قبيح كالإغارة والتلصص. وتعيشوا، ولا تموتوا، فإن زمانكم زمن قحط أهله جائعون. انتهى. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعلم قائلها. والله أعلم. وأنشد بعده: الطويل لنا إبلان فيهما ما علمتم على أنه يجوز تثنية اسم الجمع على تأويل: فرقتين، وجماعتين. قال ابن يعيش في شرح المفصل: القياس يأبى تثنية الجمع. وذلك أن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة، والتثنية تدل على القلة، فهما معنيان متدافعان، ولا يجوز اجتماعها في كلمةٍ واحدة. وقد جاء شيء من ذلك عنهم على تأويل الإفراد، قالوا: إبلان، وغنمان، وجمالان. وحكى سيبويه: لقاحان سوداوان، وإنما لقاح جمع لقحة. هذا كلامه. أقول: المراد من تثنية الجمع تضعيفه بجعله مثلين من نوعين، فلا تدافع بين التثنية والجمع، إلا إذا توجها إلى مفرد. وقد تقدم ما يتعلق به في الشاهد الثلاثين. وأنشده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {فالتقى الماءان} من سورة القمر في قراءة التثنية، على أن المراد نوعان: ماء السماء وماء الأرض، كما يقال: تمران وإبلان. وهذا المصراع وقع في شعرين: أحدهما ما أنشده أبو زيد في نوادره، وهو المشهور في كتب النحو والتفسير، وتمامه: فعن أيةٍ ما شئتم فتنكبوا وهو بيت مفرد لم يذكر غيره ولا قائله. ونسبه الصاغاني في العباب، لشعبة بن قمير، وهو شاعر مخضرم، أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. ذكره ابن حجر في الإصابة، في قسم المخضرمين، وقال: الإبل لا واحد لها من لفظها، وهي مؤنثة، لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، والجمع آبال. وإذا صغرتها أدخلتها الهاء، فقلت: أبيلة، كما تقول: غنيمة. وإذا قالوا: إبلان فإنما يريدون قطعتين من الإبل. انتهى. ومثله، ما أنشده أبو تمام في الحماسة من شعرٍ للمساور بن هند، وهو: الطويل إذا جارةٌ شلت لسعد بن مالكٍ *** لها إبلٌ شلت لها إبلان أراد: إذا جارةٌ لسعد بن مالك شلت إبلٌ لها شل من أجلها قطيعان من الإبل. والشل: الطرد. قال ابن المستوفي: قالوا في نحوه: إبلان وغنمان ولقاحان. ونحوه أنهم أرادوا به قطعتين: قطعة في جهة، وقطعة في أخرى، وقطعتين من الإبل والغنم، وإبلاً موصوفة بصفة غير الإبل الأخرى لتفيد التثنية معنًى ما. وقوله: عن أيةٍ بالتنوين، والأصل عن أيتهما، فلما حذف المضاف إليه عوض عنه التنوين. والمشهور في الكتب فعن أيها بتأنيث الضمير، على أنه راجع إلى فرقة وقطعة. وروى: وعن أيهما بضمير التثنية مع تخفيف أي. وهذه الرواية واضحة. قال صاحب العباب: وانتكب الرجل كنانته وقوسه، إذا ألقاها على منكبيه؛ وكذلك تنكبها. وتنكبه: تجنبه. انتهى. قال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: الإبلان: جماعتان من الإبل. ولفظ الإبل في عرفهم، عبارةٌ عن مائة بعير، وإن جاز استعماله في أكثر منه. وقوله: فيهما ما علمتم قال صاحب الكتاب، يعني الزمخشري: أي ما علمتم من قرى الأضياف وتحمل الغرامات والديات. والتنكب: التجنب. وتنكب القوس: ألقاها على منكبه. ولا يدري مما أخذ ما في البيت. نقله كله عن المقتبس. قلت: أخذه من الثاني، وضمنه معنى الأخذ. والمعنى: لنا قطيعان من الإبل فيهما ما علمتم من قرى الأضياف وتحمل الغرامات، فخذوا عن أيهما ما شئتم وأردتم، فإنها مباحةٌ غير ممنوعة. ولا يبعد أن يريد: فتجنبوا عن أيهما ما دام لكم مشيئة، أي: أبداً. فتجنبوا فإنها محفوظة بنا. وفي هذا الوجه يكون البيت مشتملاً على السماحة والحماسة والقصد إلى وصف أربابها بالعزة والقوة، وأن أحداً لا يقدر على التعرض لإبلهم. هذا كلامه. وقال خضر الموصلي في شرح شواهد التفسيرين: تنكبوا: اجعلوه في منكبكم. وعن للمجاوزة، لأن القطعة المتنكبة قد انفصلت عن الباقي، من تنكب القوس: ألقاها على منكبه، ومن نكب عن الطريق: عدل عنه، أي: اعدلوا عن أيها شئتم. وما زائدة، على معنى أن في كل طائفة منها ما يدل على أنها للأجواد، فانصرفوا عن أيها شئتم، خائبين عاجزين عن مجاراتنا. انتهى. والظاهر أن المعنى هو هذا الأخير. ويمنع المعنى الأول شيئان: أحدهما: لفظيٌّ وهو تعدية تنكب بعن، فإن المعنى على الانصراف والمجاوزة عنهما. والثاني: معنوي وهو أن الإبل، لا يمكن حملها على المنكب عادةً. والله أعلم. ثم رأيت في شرح أبيات إيضاح الفارسي، لابن بري المصراع الثاني: فعن أيها، بإفراد الضمير وتأنيثه. وقال: قبله: غداة دعا الداعي فكان صريخه *** نجيحاً إذا كر الدعاء المثوب بكل وآةٍ ذات جدٍّ وباطلٍ *** وطرفٍ عليه فارسٌ متلبب وجمعٍ كرامٍ لم تمزر سراتهم *** حسى الذل لا دردٌ ولا متأشب الصريخ: الإجابة، وهو في معنى مصرخٍ الذي هو مصدر، كالإصراخ. يقال: أصرخته، إذا أغثته. ونجيحاً: منجحاً. والمثوب: المنادي. والوآة، بفتح الواو وهمزة ممدودة فهاءٍ: الفرس السريعة المقتدرة الخلق، كأنها تضمن لحاق المطلوب وتعديه لسرعتها وقوتها. والطرف: الحصان الكريم. والمتلبب: المتحزم المشمر. وقوله: فعن أيها أعاد الضمير على مجموع الإبلين لأنها جماعة. وأراد بقوله: ما علمتم المنية، ويجوز أن تكون الهاء تنبيهاً، والتقدير: فعن أيها شئتم فتنكبوا. وعدى تنكبوا بعن، لأنه بمعنى اعدلوا، ومعناه التحذير والإرشاد، أي: تنكبوا ما شئتم منذ لك فهو خيرٌ لكم. انتهى كلامه. وقال شارحٌ آخر لأبيات الإيضاح: الهاء من أيها راجعة إلى الأصناف الثلاثة التي ذكرها قبل، وهي راكب كل وآة، وراكب كل طرف، والجمع الكرام. ومراده الإيعاد والتهديد، لا صريح الاستفهام، كأنه قال: فعن أيها ما شئتم فتنكبوا هذه الإبل إن استطعتم، أي: إنكم لا تقدرون على ذلك. هذا كلامه. والشعر الثاني هو شعر عوف بن عطية بن الخرع التيمي. والمصراع أول قصيدةٍ عدتها سبعة عشر بيتاً. وهذه أربعة أبياتٍ من أولها: الطويل هما إبلان فيهما ما علمتم *** فأدوهما إن شئتم أن نسالما وإن شئتم ألقحتم ونتجتم *** وإن شئتم عيناً بعينٍ كما هما وإن كان عقلاً فاعقلوا لأخيكم *** بنات المخاض والبكار المقاحما جزيت بني الأعشى مكان لبونهم *** كرام المخاض واللقاح الروائما قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري في شرح ديوانه: أقبل أهل بيتٍ من ربيعة ب مالك بن زيد مناة، وهم بنو الأعشى، حتى نزلوا وسط الرباب، فأغار عليهم بنو عبد مناة بن بكر بد سعد بن ضبة، فأخذوا إبلهم، فقال بنو الأعشى: انظروا رجلاً من الرباب له منعةٌ وعزٌّ فادعوا عليه جواركم لعله يمنعكم، وتلبسوا بين القوم شراً فأتوا عوف بن عطية بن الخرع، فقالوا: يا عوف، أنت والله جارنا، وقد أخبرنا قومنا أنا نريدك. فانطلق عوفٌ إلى عبد مناة، فقال: أدوا إلى هؤلاء إبلهم، فأخذوا يضحكون به، وقالوا: إن شئت جمعنا لك إبلاً، وإن شئت عقلنا لك. قال: أما عندكم غير هذا؟ قالوا: لا. فانصرف عنهم، فقال لبني الأعشى: اتبعوا مصادر النعم. حتى إذا أوردوا، قال: يا بني الأعشى لا تقصروا، خذوا مثل إبلكم. فأخذوا ثم انطلقوا حتى نزلوا معه على أهله، فجاءه بنو عبد مناة، فقالوا: يا عوف، ما حملك على ما صنعت؟ قال: الذي صنعتم حملني. فأخذ يلعب بهم، وقال: إن شئتم جمعنا لكم، وإن شئتم عقلنا لكم. فقال عوف في ذلك هذه القصيدة. وقوله: هما إبلان إلخ، أي: إبل بني الأعشى وإبلكم. وأدى الأمانة إلى أهلها، إذا أوصلها. والاسم الأداء والتأدية. وقوله: وإن شئتم ألقحتم إلخ، قال السكري: يقول: إن شئتم فردوها، وتلقحونها، وتنتجونها، وتردونها بأولادها. وعين بعين، أي: ردوها بأعيانها حتى نردها بأعيانها. ويقال: قد نتجت الفرس والناقة فهي منتوجة. وفرس نتوجٌ: في بطنها ولد. انتهى. ويقال: ألقح الفحل الناقة إلقاحاً: أحبلها. والنتاج: اسمٌ يشمل وضع البهائم من الغنم وغيرها. وإذا ولي الإنسان ناقةً وشاة ماخضاً حتى تضع، قيل: نتجها نتجاً، من باب ضرب. فالإنسان كالقابلة، لأن يتلقى الولد ويصلح من شأنه، فهو ناتج، والبهيمة منتوجة، والولد نتيجة. وقوله: وإن كان عقلاً فاعقلوا إلخ، يقال: عقلت عنه: غرمت عنه ما لزمه من دية وجناية. وابن مخاض: ولد الناقة يأخذ في السنة الثانية، والأنثى بنت مخاض، والجمع فيهما بنات مخاض. والبكار: جمع بكرة، ككلاب جمع كلبة. والبكرة: الصغيرة الشابة من النوق، والذكر بكر. والمقاحم: جمع مقحم بضم الميم وفتح الحاء: البعير الذي يربع ويثنى في سنة واحدة، فيقحم سناً على سن. قال الأصمعي: وذلك لا يكون إلا لابن الهرمين. قال السكري: يقول: إن صار الأمر إلى عقل أخيكم الذي أخذت إبله فاعقلوا بنات المخاض والبكار المقاحم، أي: اجمعوا له الرذالة فأدوها إليه. وهذا هزءٌ بهم. وقوله: جزيت بني الأعشى إلخ، يريد: أنه عوضهم إبلاً خيراً من إبلهم. قال اسكري: والمخاض: الحوامل، واحدتها خلفة. واللقاح: ذوات الألبان، واحدتها لقحة بكسر فسكون. ويقال أيضاً: لقوح، والجمع لقح بضمتين. والروائم: جمع رائم، وهي التي أحبت ولدها وعطفت عليه. يقال: قد رئمته أمه رئماناً. ورأمها: ما عطفت عليه من ولد غيره وبوٍّ. انتهى. وعوف بن عطية بن الخرع تقدمت ترجمته في الشاهد الحادي والسبعين بعد الأربعمائة. تتمة من أمثلة تثنية اسم الجمع: قومان. قال الفرزدق: الطويل وكل رفيقي كل رحلٍ وإن هم *** تعاطى القنا قوماهما أخوان واستشهد به ابن عصفور في شرح الجمل الكبير على تثنية قوم. وكذا ابن مالك في شرح التسهيل. فقوماهما: فاعل تعاطى، وحذف نون التثنية للإضافة إلى هما. وفيه شاهدٌ أيضاً على تثنية المضاف إلى اثنين المرجوحة، فيكون من قبيل: الرجز ظهراهما مثل ظهور الترسين ومعنى البيت أن كل رفيقين في السفر أخوان وإن تعادى قوماهما وتعاطوا المطاعنة بالقنا. ورحل الشخص: مأواه في الحضر، ثم أطلق على أمتعة المسافر، لأنها هناك مأواه. وهذا البيت مع وضوح معناه قد حرفه أبو علي الفارسي في المسائل البغداديات بتنوين قوم، وزعم أنه مفرد منصوب، فاختل عليه معنى البيت وإعرابه، فاحتاج إلى أن صححه بتعسفات وتمحلات كان غنياً عنها، ومقامه أعلى، وأجل من أن ينسب إليه مثل هذا التحريف، ولكن هو كما قيل: الطويل كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه وقد تبعه على هذا التحريف والتخريج ابن هشام في مغني اللبيب ولخص كلامه من غير أن يعزوه إليه. وأنقل لك كلامهما حتى لا تقضي العجب منهما. قال أبو علي في البغداديات: ينشد بيت الفرزدق، وهو: وكل رفيقي كل رحل ***.............. البيت وفيه غير شيء من العربية. فمنه: قال: تعاطى، وقد تقدمه اثنان، ولم يقل: تعاطيا. فإن قلت: إنه حذف لام الفعل من تعاطى لالتقاء الساكنين ولم يرده إلى أصله للضرورة، فيقول: تعاطيا، فهو قولٌ. وهذه الضرورة عكس ما في قول امرئ القيس: المتقارب لها متنتان خظاتا لأن هذا البيت اللام في موضعٍ وجب حذفها، مثل رمتا، لأن الحركة للتاء في رمتا غير لازمة، والفرزدق حذفه في موضع وجب إثباته، لأنك تقول: تعاطيا وتراميا. وإن قلت: تعاطى تفاعل، والألف لام الفعل ليست بضميره، وفي الفعل ضمير واحدٍ لأن هما وإن كان في اللفظ مثنى، فهو في المعنى كناية عن كثرة، وليس المراد بالتثنية هنا اثنين فيحمل الكلام عليها، ولكنه في المعنى يرجع إلى كل، فحملت الضمير على كل، فهو قول. ويقوي هذ: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا . ألا ترى أن الطائفتين لما كانتا في المعنى جمعاً، لم يرجع الضمير إليهما مثنى، لكنه جمع على المعنى. وكذلك تعاطى، أفرد على المعنى إذ كان لكل، ثم حمل بعد الكلام على المعنى، فقال: هما أخوان. فالقول في هما أنه مبتدأ في موضع خبر الابتداء الأول، وهو كل، وثناه وإن كان في المعنى جمعاً، للدلالة المتقدمة أن المراد بهذه التثنية الجمع. ألا ترى أن قوله: كل رفيقي كل رحل، جمع؟ ونظيره قوله: بينهما بعد: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا . فإن قال قائل: إن هما يرجع إلى رفيقين على قياس قولهم في قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن} فهو عندنا مخطئٌ، لأن الاسم الأول يبقى متعلقاً بغير شيء. وهذا القول ينتقض في قول من يقول به، لأنه عندهم يرتفع بالثاني، وبالراجع إليه، فإذا لم يكن له ثانٍ، كان إياه في المعنى ولم يعد ل إليه شيء، وجب أن لا يجوز ارتفاعه به عندهم. والجملة التي هي هما أخوان رفعٌ خبر لكل. ولا أستحسن أن يكون هما فصلاً لو كان المبتدأ والخبر معرفتين، لأني وجدت علامة ضمير الاثنين يعنى به الجمع في البيت والآية، وفي قول الآخر: الكامل إن المنية والحتوف كلاهم *** يوفي المخارم يرقبان سوادي وقوله تعالى: {أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما}، ونحو هذا. ولم أجد الاثنين المظهرين يعنى بهما الجمع، والكثرة مكثرة علامة الضمير. فإن كان كذلك جعلت هما مبتدأ وجعلت أخوان خبره، وحملته على لفظ هما دون معناه. ولو جعلت هما فصلاً وكان الاسمان معرفتين وما قرب منهما، وجعلت أخوان خبر كل لم يمتنع، لأن الاثنين المظهرين قد عني بهما الكثرة أيضاً. ألا ترى أن في نفس هذا البيت: وكل رفيقي كل رحل، وليس الرفيقان باثنين فقط، وإنما يراد بهما الكثرة. فكذلك يراد بأخوان الكثرة. إلا أن قوله: وكل رفيقي في الحمل على الجمع أحسن من حمل أخوان على الجمع، لأن المعنى في قوله: وكل رفيقي كل رحل، كل الرفقاء، إذا كانوا رفيقين رفيقين فهما أخوان وإن تعاطى كل واحد مغالبة الآخر، لاجتماعهما في السفرة والصحبة. فالقول الأول في هذا هو الوجه، ومثل هذا قولهم: هذان خير اثنين في الناس، وهذان أفضل اثنين في العلماء. فيدلك على أن الاثنين في قولنا: هذان خير اثنين في الناس، والرفيقين في هذا البيت، ما يذهب إليه سيبويه، من أن المعنى: إذا كان الناس اثنين اثنين فهذا أفضلهم، وإضافة رفيقين في هذا البيت إلى كل رحل، لو كان المراد بهما اثنين فقط لكانت هذه الإضافة مستحيلة، لأن رفيقين اثنين لا يكونان لكل رحل. ففي هذا البيت دليلٌ على أن رفيقين يراد بهما الكثرة. وفيه أنه حملهما على معنى كل، وفيه الوجهان اللذان حملناهما في تعاطى. فأما قوله: قوماً فيحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون بدلاً من القنا، لأن قومهما من سببهما وما يتعلق بهما. ويحتمل أن يكون مفعولاً له، وكأنه قال: وإن هما تعاطيا القنا للمقاومة، أي: لمقاومة كل واحد منهما صاحبه ومغالبته. ويحتمل أن يكون مصدراً من باب صنع الله ووعد الله لأن تعاطى القنا يدل على مقاومة. فتحمل قوماً على هذا كما حملت وعد الله على ما تقدم في الكلام، مما فيه وعدٌ. هذا آخر كلامه. وقال ابن هشام في المغني: هذا البيت من المشكلات لفظاً، وإعراباً، ومعنًى. فلنشرحه. قوله: كل رحل ، كل هذه زائدة، وعكسه حذفها في: على كل قلب متكبر فيمن أضاف. وتعاطى أصله تعاطيا، فحذفت لامه للضرورة. وعكسه إثبات اللام للضرورة فيمن قال: لها متنتان خظاتا إذا قيل: إن خظاتا فعل وفاعل، وألف تعاطى لام الفعل، ووحد الضمير لأن الرفيقين، ليسا باثنين معينين، بل هما كثير، كقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}، ثم حمل على اللفظ إذ قال: هما أخوان، كما قيل: فأصلحوا بينهما . وجملة: هما أخوان خبر كل. وقوله: قوماً إما بدل من القنا لأن قومهما من سببهما إذ معناه تقاومهما، فحذفت الزوائد فهو بدل اشتمال. وإما مفعول لأجله، أي: تعاطيا القنا لمقاومة كل منهما للآخر، ومفعول مطلق من باب صنع الله لأن تعاطي القنا يدل على تقاومهما. ومعنى البيت: أن كل الرفقاء في السفر، إذا استقروا رفيقين رفيقين فهما كالأخوين، لاجتماعهما في السفر والصحبة، وإن تعاطى كلٌّ منهما مغالبة الآخر. انتهى كلامه. وهذا كله كما ترى فاسدٌ لفساد أساسه. وقد تنبه له الدماميني في الحاشية الهندية إلا أنه لم يقف على كلام أبي علي، وقال: أطال المصنف - يعني ابن هشام - وفي تقريرٍ ما يزيل الإشكال الذي ادعاه، وكله مبنيٌّ على حرف واحد، وهو ثبوت تنوين قوماً من جهة الرواية، ولعلها ليست كذلك. وإنما هي قوماهما تثنية قوم، والمثنى مضافٌ إلى ضمير الرفيقين. ولا إشكال حينئذٍ لا لفظاً، ولا إعراباً، ولا معنى. وقد رأيت في نسخة من ديوان الفرزدق هذا البيت مضبوط الميم من قوماهما بفتحة واحدة، وملكت هذه النسخة في جلدين. وضبط هذا البيت هو الذي كان باعثاً على شرائها. ولله الحمد والمنة. انتهى. وقد نقل العيني كلام ابن هشام بعينه في شرح شواهد الألفية من غير عزوٍ إليه. والبيت من قصيدةٍ للفرزدق، خاطب فيها ذئباً، أتاه، وهو نازلٌ في بعض أسفاره، وكان قد أوقد ناراً، ثم رمى إليه من زاده. وقال له: تعش، وينبغي أن لا يخون أحدٌ منا صاحبه، حتى نكون مثل الصاحبين. وقال أبو عبيدة في كتاب الضيفان: ضاف الفرزدق ذئبٌ، ومعه مسلوخ، فألقى إليه ربع الشاة، وأراد أصحابه طرده فنهاهم، ثم ألقى إليه الربع الآخر فشبع، فقال الفرزدق هذه القصيدة. وهذه أبياتٌ منها: الطويل وأطلس عسالٍ وما كان صاحب *** دعوت لناري موهناً فأتاني فلما أتاني قلت دونك إنني *** وإياك في زادي لمشتركان فبت أقد الزاد بيني وبينه *** على ضوء نارٍ مرةً ودخان فقلت له لما تكشر ضاحك *** وقائم سيفي في دي بمكان تعش فإن عاهدتني لا تخونني *** نكن مثل من يا ذئب يصطحبان وأنت امرؤٌ يا ذئب والغدر كنتم *** أخيين كانا أرضعا بلبان ولو غيرنا نبهت تلتمس القرى *** رماك بسهمٍ وشباة سنان وكل رفيقي كل رحلٍ وإن هم *** تعاطى القنا قوماهما أخوان والأطلس: الأغبر من الذئاب. والواو واو رب. وعسال صفة مبالغة من العسلان، وهو مشي الذئب باضطرابٍ وسرعة. والموهن، بفتح الميم وكسر الهاء: ساعة تمضي من الليل. وأقد: أقطع طولاً. والتكشر: ظهور الأسنان عند الضحك. وتعش: أمر من تعشى. والبيت شاهد لإطلاق من على اثنين، لقوله: يصطحبان. وأخيين: مصغر أخوين. واللبان، بالكسر: لبن الآدمي. وشباة كل شيء: حده، وهو بفتح الشين المعجمة والموحدة. وأنشد بعده: البسيط لأصبح الحي أوباداً ولم يجدو *** عند التفرق في الهيجا جمالين على أنه يجوز تثنية الجمع المكسر، فإن جمالين مثنى جمال، أي: قطيعين من الجمال. وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {رب السموات والأرض وما بينهما} على تثنية الضمير، مع أن المرجع السموات والأرض، بإرادة ما بين الجنسين. وقال في المفصل: وقد يثنى الجمع على تأويل الجماعتين والفريقين. أنشد أبو زيد: لنا إبلان فيهما ما علمتم وفي الحديث: مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين . وأنشد أبو عبيدٍ: لأصبح الحي أوباداً ولم يجدو ***............. البيت وقالوا: لقاحان سوداوان. وقال أبو النجم: الرجز بين رماحي مالكٍ ونهشل انتهى. والحديث رواه نافعٌ عن ابن عمر، والمروي فيه: مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين غنمين، تعير إلى هذه مرةً، وإلى هذه مرة، لا يدرى أيهما تتبع . والعائرة بالعين المهملة: المترددة، من عار الفرس، إذا ذهب هنا وهنا. شبه المنافق في تردده وعدم ثباته على جانبٍ بالشاة المترددة بين قطيعين من الغنم، لا تستقر في قطيع. ويقال: سهم عائر وحجر عائر، إذا لم يعلم من أين هو، ولا من رماه. ولم يقيد الجمع بالمكسر كما قيده الشارح المحقق به، احترازاً من الجمع المصحح، لئلا يجتمع فيه إعرابان بالحروف، وهو ممتنعٌ لوضوحه. واللقاح: جمع لقوح، وهي الناقة ذات اللبن، مثل قلاص وقلوص. وقال ثعلب: اللقاح جمع لقحة بالكسر، وإن شئت لقوح، وهي التي نتجت، فهي لقوحٌ شهرين وثلاثة، ثم هي لبونٌ بعدذ لك. وتقدم شرح قوله: بين رماحي مالكٍ ونهشل في باب الندبة. وقوله: لأصبح الحي أوباداً البيت، قبله: سعى عقالاً فلم يترك لنا سبد *** فكيف لو قد سعى عمرو عقالين أنشدهما أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي في أمثاله، وقال: استعمل معاوية ابن أبي سفيان ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، على صدقات كلب، فاعتدى عليهم، فقال عمرو بن العداء الكلبي هذا الشعر. وسعى في الموضعين، من سعى الرجل على الصدقة، أي: الزكاة يسعى سعياً: عمل في أخذها من أربابها. وعقالاً وعقالين منصوبان على الظرف، أراد: مدة عقال، ومدة عقالين. والعقال: صدقة عام. قال الأصمعي: بعث فلانٌ على عقال بني فلان، إذا بعث على صدقاتهم. قال أبو عبيد: هذا كلام العرب المعروف عندهم. فأما ما روي أن عمر كان يأخذ مع كل فريضة عقالاً ورواءً، فإذا دخلت إلى المدينة باعها، ثم تصدق بتلك العقل والأروية؛ فالعقال: الحبل الذي يعقل به البعير، والرواء: الحبل الذي يقرن به البعيران. وقالوا في قول أبي بكر: لو منعوني عقالاً مما أدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه: يعني: بالعقال صدقة عام، وقيل: أراد الحبل الذي كانت تعقل به الفريضة المأخوذة في الصدقة. وهو بالحبل أولى في هذا الموضع، لأن الإنسان إنما يذكر في مثل هذا الموضع الأقل لا الأكثر، بناء على قوة العزمة في الأدنى، فكيف في الأعلى. انتهى. وقال المبرد في الكامل، بعد نقل كلام أبي بكر، رضي الله عنه: قوله: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه على خلاف ما تتأوله العامة. ولقول العامة وجهٌ قد يجوز، فأما الصحيح، فأن المصدق إذا أخذ من الصدقة ما فيها، ولم يأخذ ثمناً، قيل: أخذ عقالاً. وإذا أخذ الثمن، قيل: أخذ نقداً. وقال الشاعر: الطويل أتانا أبو الخطاب يضرب طبله *** فرد ولم يأخذ عقالاً ولا نقدا والذي تقوله العامة، تأويله: ومنعوني ما يساوي عقالاً فضلاً عن غيره. وهو وجه. والأول هو الصحيح، لأن ليس له عليهم عقال يعقل به البعير فيطلبه فبمنعه، ولكن مجازه في قول العامة ما ذكرنا. وهو من كلام العرب: أتانا بجفنة يقعد عليها ثلاثة، أي: لو قعد عليها ثلاثة لصلح. انتهى. وقال ثعلب في أماليه: العقال: صدقة سنةٍ في خير أبي بكر: لو منعوني عقالاً . وأنشد البيتين. والسبد، بفتحتين، الشعر والوبر. وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: إذا قيل: ما له سبد ولا لبد، فمعناه: ما له ذو سبد، وهي الإبل والمعز، ولا ذو لبد، وهي الغنم. ثم كثر ذلك حتى صار مثلاً مضروباً للفقر، فقيل لكل من لا مال له أي شيء كان. ففيه مجازٌ من وجهين: أحدهما: إيقاعهم النفي على السبد واللبد، وهم يريدون نفي ما له السبد واللبد. والثاني: استعمالهم ذلك في كل من لا مال له، وأصله أن يكون في الإبل والمعز والغنم خاصة. انتهى. وقوله: فكيف هو ظرف مع عامله المحذوف في محل الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: كيف حالنا. وهذه الجملة دليل جواب لو. يقول: تولى هذا الرجل علينا سنةً في أخذ الزكاة منا فلم يترك لنا شيئاً لظلمه إيانا، فلو تولى سنتين علينا، على أي حال كنا نكون؟ وقوله: لأصبح الحي إلخ، اللام في جواب قسمٍ مقدر. وزعم خضرٌ الموصلي في شرح شواهد التفسرين أن اللام في جواب لو المتقدمة. وهو ذهولٌ عما قبله. والحي: القبيلة. والأوباد: جمع وبد بفتحتين، قال الجوهري: الوبد، بالتحريك: شدة العيش وسوء الحال، مصدرٌ يوصف به فيستوي فيه الواحد والجمع، ثم يجمع، فيقال: أوباد، كما يقال: عدلٌ وعدول، على توهم النعت الصحيح. وأنشد البيت. وقال ابن بريٍّ في شرح أبيات الإيضاح للفارسي: الوجه أن يكون جمع وبد، وهو السيئ الحال، كفخذ وأفخاذ. انتهى. والهيجاء: الحرب، قال ابن ولاد في المقصور والممدود: الهيجاء: تمد وتقصر. قال الشاعر: يا رب هيجا هي خيرٌ من دعه وقال آخر: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا انتهى. وهي مؤنثة كما في البيتين. وهذه الكلمة مع شهرتها لم يوردها القالي في المقصور والممدود مع أنه استقصى النوعين في كتابه. وثنى الجمال لأنه جعلها صنفين: صنفاً لترحلهم يحملون عليها أثقالهم، وصنفاً لحربهم يركبونه إذا جنبوا خيلهم. ويؤيده رواية أبي الفرج: يوم الترحل والهيجا . وأوباداً: خبر أصبح إن كانت ناقصة، وحالٌ من القوم إن كانت تامة. وروى أبو الفرج: لأصبح الحي أوقاصاً ، وهو جمع وقص بفتحتين، وقد تسكن القاف: ما بين الفريضتين من نصب الزكاة مما لا شيء فيه. فعلى هذه الرواية حذف مضاف، أي: لأصبح مال الحي أوقاصاً، أي: لا يوجد عندهم في العام الثاني ما يجب فيه الصدقة. وعمرو بن عداء الكلبي: شاعرٌ إسلامي. //باب المجموع أنشد فيه
|